اعترف السناتور بيرني ساندرز يوم الثلاثاء الماضي بانضمامه إلى صفوف أصحاب الملايين والمليارات الذين طالما صورهم بصورة شريرة على امتداد مشوار حياته. وقال ساندرز: «ألفت كتاباً من الأكثر مبيعاً، وإذا ألف أي شخص كتابا من الأكثر مبيعاً فيمكنه أن يصبح مليونيراً». وهناك كثيرون في طائفة الأغنياء مع ساندرز. ففي عام 2018، كان هناك 10.23 مليون أسرة أميركية لديها ثروة تتراوح قيمتها الصافية بين مليون وخمسة ملايين دولار غير قيمة مقر السكن الأساسي. وهذا يمثل زيادة بنحو 250 ألف أسرة عن عام 2017. وهناك 1.4 مليون أسرة أخرى تتراوح قيمة ثروتها بين خمسة ملايين دولار و25 مليون دولار.
وساندرز ليس وحده في الكونجرس، وبخاصة وسط الديمقراطيين. فنحو نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ عام 2018 يملكون ملايين الدولارات. وهذا يتضمن مارك وارنر العضو عن ولاية فيرجينيا الذي بلغت ثروته 90.2 مليون دولار بحسب صحيفة «رول كول» المعنية بأنباء الكونجرس. ويملك ريتشاد بلومنتال عضو ولاية كونتيكت 70 مليون دولار. ودايان فاينستاين تملك 58.5 مليون دولار. وكان صافي ما يملكه ساندرز ذات يوم يساوي صفرا، وهو رقم كان يتسق مع وجهة نظره للعالم رغم أنه استطاع على نحو ما أن يمتلك ثلاثة منازل. لكنه الآن أصبح ثرياً ومن المقرر أن يدفع ضرائب أعلى، لذا ربما تتغير آراؤه. وقد أشار ديفيد مكلوه في كتابه عن السيرة الذاتية لهاري ترومان إلى أن الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة شعر بصدمة من القدر القليل من المال المتبقي له بعد أن اضطر لدفع 67% من الأموال التي كسبها بشق الأنفس في صورة ضرائب اتحادية وعلى مستوى الولاية.
وكاتب هذه السطور لا يعلق آمالا كبيرة على ساندرز، لكن حصول ساندرز على ثروة مفاجئة، ينبغي على الأقل أن يخفف حدة مواقفه في سياسة حرب الطبقات التي يشنها. فتحقيق الثراء ليس سرقة، بل عادة ما يكون نتيجة تقديم خدمة. وليس الثراء رذيلة، بل يمثل نتيجة عمل وادخار صبور واستثمار حصيف وقرارات محفوفة بالمخاطر وبعض الأصالة في التفكير. وتحقيق الثراء ليس عاراً، فهناك صلة بين الثراء وأعمال الخير. فمن بين أغنى عشرة أميركيين، تبرع أربعة منهم بما لا يقل عن مليار دولار أو 20% من صافي ثروته لأعمال البر. وفيما يتعلق بالتبرعات الخيرية من الأفراد كنسبة من الإنتاج المحلي الإجمالي، نجد أن الولايات المتحدة من البلدان الأكثر سخاءً، لأنها قدمت 410 مليارات دولار في أعمال الخير عام 2017. والأميركي المتوسط يقدم مثلي ما يقدمه النيوزيلندي المتوسط الذي يعد الأقرب إلى الأميركيين في العطاء.
وربما يرى أحد أنصار ساندرز أن الحصول على مثل هذه الثروة الكبيرة قد يكون فاسداً في حد ذاته أو غير ضروري، وأن عدم المساواة الكبير خطير في حد ذاته على الديمقراطية. وهذا هو نمط التفكير الذي يعطي الحيوية للحركة في اليسار لتتخلص من المليارديرات أو على الأقل تقلص حجمهم بضرائب عقابية. صحيح أنه لم يتضح قط لماذا من غير الأخلاقي أن يكون المرء مليارديراً وليس مجرد مليونير. فهل هناك مبدأ أخلاقي متناسق يميز الخير النسبي لخمسة أوستة أو حتى سبعة أصفار، مقابل الشر الذي تنطوي عليه ثمانية أو تسعة أصفار؟
ومن غير الواضح أيضاً كيف منعت ثروات ستيف جوبز أو بيل جيتس أي شخص من أي قدر ولو صغير من المال فيما عدا الدولارات التي دفعها طوعاً المرء نفسه لشراء هواتف آيفون أو سامسونغ. وفي الولايات المتحدة، الأثرياء ليسوا مثل الأوليجاركية الروسية أو المسؤولين الصينيين، فهم لا يأخذون المال، بل يخلقونه، وبهذا يوفرون فرص عمل وخدمات وخيارات وأصولا وكفاءات، وفي بعض الأحيان يوفرون الرفاه، وهذا هو السبب الذي يجعل المجتمعات الرأسمالية أكثر جاذبية وحركية بدرجات متفاوتة مقارنة بالمجتمعات غير الرأسمالية. فهل هذه حجة للدفاع عن الرأسمالية غير المحكومة بضوابط؟ الإجابة: لا. هل هذه حجة بأن أصحاب المليارات لهم حق أعلى في الفضيلة؟ الإجابة: لا. هل هذا يوحي بأنه يجب أن يُمنح الأغنى مكانةً أعلى في حياتنا السياسية من باقي الناس؟ الإجابة: لا.
لكن فكرة الحكم على الناس كأفراد بناءً على الطبقة الاقتصادية التي ينتمون إليها، يمثل واحدة من أكثر الأفكار حماقة في التاريخ. فالعواقب القاتلة لهذه الفكرة تضاهي أو تتجاوز عواقب ميراث العنصرية والاستعمار معاً. وحين ينتقد ساندرز أصحاب الملايين والمليارات، فهو يتورط في صيغة من الصور النمطية ليست أقل تعصباً وخطورة لأنها تستهدف عدداً قليلا للغاية. ويحدوني أمل في أن ساندرز لم يدرك بعد مدى خطورة تفكيره. والحكمة قد لا تأتي إلا في وقت متأخر للغاية، وربما جاءت الحكمة إلى ساندرز مصحوبةً هذه المرة بالثروة كمكافأة.
*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/04/11/opinion/bernie-sanders-wealth.html